نسمع كثيراً عن مرض الكانسر ( السرطان ) فهو من أكثر أسباب الوفيات شيوعاً، لكن من الجيد أنّ معدلات البقاء على قيد الحياة للمصابين بالكانسر تتحسن بشكل كبير مؤخراً بفضل التطورات الكبيرة في أساليب العلاج والتشخيص المبكر، وفي هذه المقالة سنتحدث عن الكانسر وعن أعراض وأسباب مرض الكانسر وأهم مضاعفاته.
يتكوّن جسم الإنسان من تريليونات الخلايا التي تنمو وتنقسم بشكل طبيعي على مدار الحياة حسب الحاجة. تُدمِّر الخلايا نفسها أو يتم قتلها بواسطة الجهاز المناعي عندما تكون هذه الخلايا غير طبيعية أو تتقدم في السن، يبدأ الكانسر عندما يحدث خطأ ما في هذه العملية لهذا يُعتبر الكانسر مرض تنمو فيه بعض خلايا الجسم بشكل لا يمكن السيطرة عليه، فتتكاثر الخلايا الكانسرية بسرعة على الرغم من ضيق المساحة، أو العناصر الغذائية المشتركة بين الخلايا الأخرى، أو الإشارات المرسلة من الجسم لوقف تكاثر الخلايا الكانسرية. غالباً ما تتشكل الخلايا الكانسرية بشكل مختلف عن الخلايا السليمة، ولا تعمل بشكل صحيح، ويمكن أن تنتشر في العديد من مناطق الجسم.
أطلق الطبيب اليوناني أبقراط (يعتبر “أبو الطب”) على المرض اسم ‘السرطان’ لأول مرة، حيثُ استخدم أبقراط المصطلح لوصف الأورام، كان الوصف عبارة عن أسماء على السلطعون لأن النتوءات الخارجة من الورم الشبيهة بالإصابع تشبه إلى حد ما شكل السلطعون. في ذلك الوقت كان يفحص أبقراط فيه المرضى، كان العديد منهم في المرحلة النهائية من السرطان؛ وإذا قمت بفحص الورم في مراحله النهائية، فستلاحظ أنه صلبٌ مثل الصخرة، لكن آخرين قالوا إنه ربما ذكّره بالألم الذي يسببه الورم الخبيث، فهو يشبه إلى حدٍ كبير قرصة حادة من مخلب سرطان البحر.
معظم العلامات والأعراض ليست ناتجة عن الكانسر وفي الغالب تكون ناجمة عن أمراض أخرى، لكن مع ذلك من الجيد معرفة العلامات المحتملة للسرطان فيمكن أن تثير انتباهك وتدفعك لزيارة الطبيب، كما تشكل الأعراض أهم ما يستند إليه الطبيب حتى يتمكن من العثور على المشكلة ويقوم بعلاجها في أسرع وقت ممكن، فالعلاج يعمل بشكل أفضل كلما كان التشخيص أبكر (أي عندما يكون الورم صغير ولم ينتشر)، وتعتمد أعراض وعلامات الكانسر على نوع الكانسر ومكان تواجده ومكان انتشار الخلايا الكانسرية (على سبيل المثال: قد يظهر سرطان الثدي على شكل كتلة في الثدي أو إفرازات من الحلمة)، لكننا هنا سنذكر العلامات والأعراض الشائعة والمشتركة لأغلب أنواع الكانسرات لدى كل من الرجال والنساء، وهي ما يلي :
1- التعب والإعياء: التعب أو الإرهاق الشديد الذي لا يتحسن بالراحة، فهذا ليس إرهاقاً مشابهاً لما تشعر به بعد يومٍ طويل من العمل أو اللعب، ويمكن أن يكون التعب الشديد الذي لا يتحسن مع الراحة علامة مبكرة على الإصابة بالكانسر.
2- الألم: نوع جديد من الألم في العظام أو أجزاء أخرى من الجسم والذي يمكن أن يزداد سوءاً بشكل سريع، أو يأتي ويختفي، ولكنّه يختلف عن الآلام السابقة التي عانى منها المرء من قبل.
3- فقدان الوزن غير المبرر أو فقدان الشهية: ما يقرب من نصف المصابين بالكانسر يفقدون الوزن، وغالباً ما تكون إحدى العلامات التي يتمّ ملاحظتها منذ البداية. ويثير فقدان الوزن الانتباه في حال حدوث انخفاض كبير خلال الشهرين الماضيين والذي لا يمكن تفسيره بالتغييرات في نظامك الغذائي أو ممارسة الرياضة أو الإجهاد.
4- الحمى أو التعرق الليلي: مع أنّ الحمى تعدّ عرضاً شائعاً لنزلات البرد والإنفلونزا الروتينية، إلا أنّها قد تكون خطيرة في حال ارتفاعها لدرجات عالية، أو استمرارها لأكثر من 3 أيام، أو حدوثها معظم الوقت ليلاً.
5- التغيّرات الجلديّة: كاًن يصبح لون الجلد داكناً، أو أن تحدث حكة شديدة، أو فرط نمو للشعر بشكل غير متناسب، أو إذا كان لديك طفح جلدي غير مبرر؛ وقد تتغير صفات شامة موجودة لديك مسبقاً كتغير شكلها أو لونها، أو تصبح أغمق وقد تحتوي على أكثر من لونين، وقد تبدأ بالحكة والتقشُر أو النزيف.
6- السعال وألم الصدر وضيق التنفس: خاصة في حال استمرار السعال لمدة 3 أسابيع أو أكثر، فالسعال هو أحد علامات الإصابة بسرطان الرئة، وقد تعني بحة الصوت الإصابة بسرطان الحنجرة أو سرطانة الغدة الدرقية.
7- النزيف: يعدّ النزف من العلامات الخطيرة، فقد يؤدي الكانسر لظهور الدم من أماكن غير اعتيادية؛ فوجود الدماء في البراز هو أحد أعراض سرطان القولون أو المستقيم، أما الأورام الموجودة على طول المسالك البولية يمكن أن تسبب ظهور الدم في البول، وظهور الدم عند السعال أحد علامات سرطان الرئة والقصبات.
لا يوجد سبب واحد للسرطان حيث يعتقد العلماء أن تفاعل العديد من العوامل معاً هو الذي ينتج الكانسر، وقد تكون العوامل المؤهبة هي الخصائص الجينية أو البيئية أو المناعية للفرد، وتظل بعض أسباب الكانسر غير معروفة؛ من الصعب أو المستحيل تحديد الحدث البادئ الذي أدى إلى تطور الكانسر لدى شخص معين، إلا أن الأبحاث قدمت للأطباء عدداً من الأسباب المحتملة التي تعتبر وحدها أو بالتنسيق مع أسباب أخرى هي المرشحين المحتملين لبدء سرطان ومن هذه الأسباب:
1- نمط الحياة: يعد التدخين والنظام الغذائي عالي الدهون والعمل مع المواد الكيميائية السامة أمثلة على عوامل نمط حياة التي قد تكون عوامل خطر لبعض أنواع الكانسر لدى البالغين، أما الأطفال هم أصغر من أن يتعرضوا لعوامل نمط الحياة هذه لفترة طويلة.
2- التعرض لبعض الفيروسات: تم ربط فيروس إبشتاين بار وفيروس نقص المناعة البشرية (وهو الفيروس المسبب لمرض الإيدز) بزيادة خطر الإصابة ببعض أنواع سرطانات الأطفال مثل لمفوما هودجكين وولمفوما لاهودجكين، فمن المحتمل أنّ الفيروس يغير الخلية بطريقة ما؛ ثمّ تقوم هذه الخلية بعد ذلك بإعادة إنتاج خلية معدلة، وفي النهاية ينتج عن هذه التغييرات خلية سرطانية تستنسخ المزيد من الخلايا الكانسرية.
3- المركبات الكيميائية أو السامة المسببة للسرطان: تؤثر العديد من العوامل على ما إذا كان الشخص الذي تعرض لمادة مسرطنة سيصاب بالكانسر، بما في ذلك مقدار ومدة التعرض والخلفية الجينية للفرد. ومن هذه المواد البنزين، والأسبستوس، والنيكل، والكادميوم، والتبغ أو دخان السجائر (يحتوي على الأقل على 66 مادة كيماوية وسموم محتملة مسرطنة).
4- بعض الاضطرابات الوراثية: جهاز المناعة هو نظام معقد يعمل على حماية أجسامنا من العدوى والأمراض. وتقترح إحدى النظريات أن الخلايا الجذعية الموجودة في نخاع العظم تتلف أو تصاب بطفرة، لذلك عندما تتكاثر لتكوين المزيد من الخلايا فإنها تُصنِّع خلايا غير طبيعية أو خلايا سرطانية؛ يمكن أن يكون سبب الخلل في الخلايا الجذعية مرتبطاً بعيب جيني موروث أو التعرض لفيروس أو سم. ومن الكانسرات المرتبطة باضطراب الجينات البشرية: سرطان الثدي والمبيض والقولون والمستقيم والبروستات والجلد وسرطان الجلد.
ملاحظة: غالباً ما تحدث سرطانات الطفولة أو تبدأ في الخلايا الجذعية (وهي خلايا بسيطة قادرة على إنتاج أنواع أخرى من الخلايا المتخصصة التي يحتاجها الجسم)، فعادةً ما يكون التغيير أو الطفرة التي تصيب هذه الخلايا هو السبب في الإصابة بسرطان الأطفال. أما لدى البالغين فنوع الخلية التي تصبح سرطانية عادةً ما تكون خلية ظهارية (وهي الخلايا التي تبطن تجويف الجسم أو تغطي سطح الجسم)، فيحدث الكانسر من التعرض البيئي السام الذي يؤثر على هذه الخلايا بمرور الوقت.
يوجد العديد من المضاعفات التي يمكن أن تتطور نتيجة الكانسر، ويختلف نوع المضاعفات حسب العضو الذي نشأ فيه الكانسر، قد تكون هذه المضاعفات ناتجة عن الكانسر الأولي الذي يبدأ في عضو أساسي مثل سرطان الدماغ، أو قد يكون سرطاناً انتشر من منطقة إلى أخرى على سبيل المثال سرطان الثدي الذي انتشر إلى الرئتين (يدعى سرطان نقيلي)، مع انتشار الكانسر في جميع أنحاء الجسم يصبح من الصعب السيطرة عليه وتميل بعض أنواع الكانسر إلى الانتشار ببطء، أما الأنواع الأخرى تنتشر بشكل أكثر عدوانية، ومن هذه المضاعفات التي يمكن أن يسببها الكانسر:
1- التغيرات الكيميائية في جسمك: يمكن أن يخل الكانسر بالتوازن الكيميائي الطبيعي في جسمك ويزيد من خطر إصابتك بمضاعفات خطيرة. قد تشمل علامات وأعراض فقدان هذا التوازن الكيميائي العطش الشديد وكثرة التبول والإمساك والارتباك والتخليط الذهني.
2- اضطرابات الدماغ والجهاز العصبي: يمكن أن يضغط الكانسر على الأعصاب القريبة ويسبب ألماً وفقداناً لوظيفة أحد أجزاء الجسم؛ يمكن أن يسبب الكانسر الذي يصيب الدماغ الصداع وعلامات وأعراض تشبه السكتة الدماغية مثل الضعف في جانب واحد من الجسم.
3- فرط كالسيوم الدم: قد يُسبب سرطان العظام إفراز الكثير من الكالسيوم (فرط كالسيوم الدم) في مجرى الدم، ويمكن أن يؤثر ذلك على الأداء السليم للقلب والكليتين والعضلات، يمكن أن يسبب أيضاً أعراضاً عصبية مثل الارتباك وفقدان الذاكرة والاكتئاب، وقد يؤدي ارتفاع مستويات الكالسيوم المُفرط إلى الغيبوبة أو الموت.
4- سوء التغذية: تعتبر سبب رئيسي للوفيات في حالات الكانسر المتقدمة، وتحدث بشكل رئيسي عندما تنشأ الأورام في الجهاز الهضمي وتُسبب انسداداً أو تتداخل مع امتصاص العناصر الغذائية الأساسية، بالإضافة إلى ذلك يمكن أن تؤدي علاجات الكانسر إلى فقدان الشهية وعدم القدرة على الحفاظ على الطعام. تشمل علامات سوء التغذية ما يلي:
- فقدان كتلة الجسم.
- الهزال العضلي.
- الإنهاك والتعب.
- صعوبات معرفية.
- ضعف جهاز المناعة.
تتوفر العديد من علاجات الكانسر ويعتمد اختيار العلاج المناسب على العديد من العوامل مثل: نوع الكانسر ومرحلته، وصحتك العامة، ومدى تحمُلك للعلاج، والكلفة المادية وتفضيلاتك، ونذكر أشيع أنواع المعالجات:
- الجراحة: يخضع معظم المصابين بالكانسر إلى نوع ما من الجراحة، والهدف الرئيسي هو إزالة الأورام أو الأنسجة أو المناطق التي بها خلايا سرطانية مثل العقد الليمفاوية.
- المعالجة الكيميائية: يهدف العلاج الكيميائي إلى قتل الخلايا الكانسرية سريعة الانقسام، ويمكن أن تساعد الأدوية أيضاً في تقليص الأورام لكن الآثار الجانبية يمكن أن تكون شديدة.
- المعالجة الإشعاعية: يستخدم هذا النوع من العلاج حزماً شعاعية عالية الطاقة مثل الأشعة السينية والبروتونات لقتل الخلايا الكانسرية. يمكن أن يكون مصدر الأشعة من جهاز خارج جسمك (إشعاع شعاع خارجي) أو يمكن وضعه داخل جسمك (المعالجة الكثبية brachytherapy).
في النهاية؛ نذكر أنّ معظم العلامات والأعراض ليست ناتجة عن الكانسر بل في الغالب عن أمراض أخرى أقل شدّة بكثير، لكن مع ذلك يبقى من الهام معرفة أعراض وعلامات الكانسر فعلاجه في مراحله المبكرة أقل تكلفةً وأكثر قابليةً للشفاء من الكانسر في مراحله المتقدمة، وإذا كانت لديك أي علامات وأعراض لا تختفي أو تزداد سوءاً مع الوقت يجب أن ترى الطبيب ليساعدك في معرفة السبب وعلاجه إذا لزم الأمر.
المصادر والمراجع:
1. stanfordhealthcare: cancer
2. medicinenet: cancer
3. webmd: Cancer Symptoms
4. mayoclinic: Cancer